كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذه المسألة بالنسبة لطالب العلم متى تظهر؟ تظهر في الميراث وتظهر في الوقف وكلاهما متقارب فهل ينزل الجد منزلة الأخوة في الميراث؟ من يقول أن ابن البنت ابن أعتبر الجد كالأب. وعندما يوقف الإنسان حديقة أو مزرعة أو بيتا فيقول هذه لأبنائي وأبناء أبنائي ولا يحدد فإن قال أبناء أبنائي بمقتضى الآية يدخل من؟ يدخل أولاد الأبناء وأولاد البنات، وقال بعض العلماء بخلاف هذا وهذه المسائل تنظر في المحاكم، لكن أنا أردت أن أبين كيف يستنبط طالب العلم الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
{فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي نقول اللهم العن الكاذب منا في أمر عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. الذي حصل أن النصارى خافوا من المباهلة تشاوروا ثم تراجعوا، قال قائلهم والله إنكم لتعلمون أنه نبي ولو باهلتموه لاضطرم عليكم الوادي نارا، فقالوا ما الأمر بيننا وبينك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «واحدة من ثلاث: الإسلام- أي تدخلوا الإسلام- أو الحرب أو الجزية» فاختاروا الجزية فصالحوا النبي عليه الصلاة والسلام على ألف حلة صفراء تقدم له في شهر صفر وألف حلة تقدم له في شهر رجب. فقالوا ابعث لنا رجلا أمينا من أصحابك فقال عليه الصلاة والسلام: «لأبعثن معكم أمينا حق أمين» فاستشرف لها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «قم يا أبا عبيدة ثم قال لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه».
ولذلك ورد أن عمر رضي الله عنه لما طعن وطلب منه أن يستخلف قال: لو كان أبا عبيدة حيا لوليته هذا الأمر فإذا سألني الله عن ذلك قلت سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة».
نأتي للآية التي بعدها قال الله عز وجل بعدها: {فإن تولوا} أي فإن لم يقبلوا قوله وأعرضوا عن الدخول في الإسلام فإن الله عليم بالمفسدين. وقوله تعالى: {فإن الله عليم بالمفسدين} يجري مجرى التهديد لأنه إذا كان الله عليم بهم وهو قطعا عليم بهم فإنه سيعاقبهم جل وعلا، وهذا معنى قول الله تعالى: {فإن الله عليم بالمفسدين}.
ثم قال الله جل وعلا: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
هذه الآية قبل أن نفصل معناها يتعلق بها فائدتين:
الفائدة الأولى: أن هذه الآية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتبها في كتبه التي يبعثها إلى ملوك العرب والعجم وهو يدعوهم إلى الإسلام كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم.
الفائدة الثانية: في حياتنا العملية جميعا وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في الصحيح كان يقرأ بها أي بهذه الآية في ركعة الصبح الأخيرة من سنة الفجر، ومعلوم أن لصلاة الفجر سنة قبلية والسنة فيها أن تخفف، النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها فاتحة الكتاب وبقول الله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}. البقرة136. ويقرأ بالثانية بهذه الآية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
إذا يتحرر من هذا من الناحية العملية أن هذه الآية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في الركعة الأخيرة من سنة الفجر ويقرأ بغيرها ولو قرأ أي مسلم بأي سور القرآن أو آياته جاز ذلك، لكن أوفق للسنة أن تقرأ هاتان الآيتان.
أما معناها: {قل يا أهل الكتاب} أهل الكتاب يندرج فيها اليهود والنصارى لأنهما أنزل عليهما الكتاب. على اليهود التوراة على موسى عليه السلام وعلى النصارى الإنجيل على عيسى عليه السلام.
{تعالوا إلى كلمة سواء} سواء هنا بمعنى عدل وإنصاف.
{تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} هذا إجمال. هذا الإجمال فسرته ما بعدها: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله}.
إذا ما الكلمة السواء؟
هي: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا}. فقول ربنا جل وعلا: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} هي الكلمة السواء التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب من اليهود والنصارى إليها.
اليهود يقولون عزير ابن الله والنصارى تقول المسيح ابن الله وكلا الفريقين على خطأ معلوم، فدعاهم النبي إلى كلمة يتفق عليها الجميع وهذه الكلمة لابد أن تكون كلمة عدل {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا}.
{ولا نشرك به شيئا} تأكيد للآية التي قبلها لقوله جل وعلا: {ألا نعبد إلا الله} لأن المعنى واحد {ألا نعبد إلا الله} أسلوب حصر فيه نفي واستثناء.
{ألا نعبد} هذا نفي، {إلا الله} هذا استثناء.
{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} هذا من بديع أسلوب القرأن لانه عندما قال سبحانه: {ولا يتخذ بعضنا بعضا} دلالة على أننا كلنا من جنس واحد، فكيف يعقل ونحن متفقون على أننا من جنس واحد أن يصبح بعضنا آلهة خارقة وبعضنا مخلقون، هذا لا يستقيم لا بالعقل ولا بالنقل.
{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} والاتخاذ هنا ليس معناه ولم يقع أنهم كانوا يعبد بعضهم بعضا بالسجود والركوع والصلاة وإنما كان يعبد بعضهم بعضا بطريقة أخرى وهي أن أحبارهم ورهبأنهم يحرمون ما أحل الله فيحرمه الأتباع ويحلون ما حرم الله فيحله الأتباع، وهذه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «تلك عبادتهم».
قال سبحانه: {اتخذوا احبارهم ورهبأنهم اربابا من دون الله}. وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعدي ابن حاتم: «أليسوا يحلون ما أحل فتحرمونه قال بلى قال فتلك عبادتهم». فهذا معنى قول الله: {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله}.
من هنا نعلم أن التشريع لله والرسول مجرد مبلغ صلوات الله وسلامه عليه. فمن الله التشريع وعلى الرسول البلاغ وعلينا السمع والطاعة لأننا عبيد مخلوقون لله تبارك وتعالى.
{فإن تولوا} أي فإن لم يقبلوا هذا الذي عرضته عليهم {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} أي نحن باقون على ما نحن عليه من الإسلام واتخاذ الله جل وعلا إله واحد لا رب غيره ولا إله سواه.
ثم قال الله جل وعلا: {يا أهل الكتاب لم تحآجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65) هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} ثم قال: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}.
مناسبة الآيات عموما:
من العقل والنقل يا أخي أن الإنسان إذا كان متقنا في شيء ما يتبناه الجميع وكل ينتسب إليه وينسبه إلى نفسه. إذا كان الشخص محسن متقن جيد في أمره كل من حوله يتبناه وينتسب إليه ويقول أنه مني وأنا منه لأنه مصدر فخر. إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أمة كما أخبر الله جل وعلا. فاليهود تقول إن إبراهيم منا والنصارى تقول إن إبراهيم على ملتنا وحتى كفار قريش كما سيأتي يقولون منا والمسلمون يقولون منا، في أول الآية الله عز وجل يقول لما اختصمت اليهود والنصارى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال الله لليهود والنصارى: {يا أهل الكتاب لم تحآجون}. لم تجادلون وتخاصمون في إبراهيم {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}. بين إبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام مئات السنين وبين إبراهيم وعيسى عليهم الصلاة والسلام أكثر لأن عيسى بعد موسى عليهم الصلاة والسلام. فمحمد عليه الصلاة والسلام عند اليهود والنصارى خبر منه لأنه مذكور في التوراة والإنجيل. فكون اليهود والنصارى عندهم خبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم هذا حق، لكن الحق أيضا أن ليس عندهم علم بإبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم جاؤوا بعده وما أسست اليهودية وهي محرفة في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام ولا أسست النصرانية وهي محرفه من شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام إلا بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكيف يكون عندهم علم عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا لا يمكن عقلا، ولذلك قال الله عز وجل: {هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} معنى يعلم: يعلم حال إبراهيم وأنتم لا تعلمون عن إبراهيم شيئا.
العقل مكتشف للدليل وليس منشئ له.
وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي عليه أن يستخدم عقله. وقد يقول قائل أن العقل ليس له علاقة بالنقل.
يجب أن تفهم يا أخي ملحظ دقيق يميز من يتبع منهج العقل عن غيره. المسلمون مدركون من أهل السنة أنه لا يمكن للعقل أن ينشئ دليلا. والدليل في النقل لكن العقل يكتشف الدليل. بمعنى تأتي بمصحف وتأتيه لرجل ذي باع في العلم أعطاه الله عقل، فهو إذا قرأ المصحف يستنبط الأدلة من المصحف. لا يأتي بدليل من عقله لكن قدرته العقلية تمكنه من أن يستنبط الأدلة من القرآن. إنسان ليس عنده حظ من عقل حتى لو نظر في المصحف لا يستطيع بأن يأتي بأدلة يكتشفها من المصحف هذا الفرق. لا يوجد عقل يسير الناس، الوحي هو الذي يسير الناس لكن العقل يكتشف الدليل الموجود الذي في الوحي. ولذلك قال تعالى للنصارى: {أفلا تعقلون} أي لو عرضتم هذا الأمر على عقولكم الحقة لما قبلته لكن لأنه ليس لديكم عقول تقولون بغير هذا.
الشافعي رحمه الله كيف بعقله اكتشف الدليل؟
الشافعي رحمه الله وهو صبي في السادسة عشر وكان من أذكى الناس مر في السوق فوجد رجلان يختصمان فتدخل لثقته برأيه، قال: ما بالكما؟ قال أحدهما: هذا كان يبيع طيرا- ببغاء- ويقول وهو يبيعه: هذا الطائر لا يسكت يتكلم طوال الليل والنهار، قال الذي اشتراه: فأنا اشتريته بناء على هذا الشرط فلما ذهبت به إلى البيت إذا هو يتكلم أكثر الوقت لكنه يسكت أحيانا فأنا أريد أن أرده. والذي باع يقول: لا ترده أنا لم أقصد الليل والنهار أنه لا يسكت، تخاصما والشافعي رحمه الله كان في السادسة عشر من عمره، فقال للمشتري: ليس لك حجة عليه. فأستصغره قال من أين لك هذا؟ قال لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لإحدى نساء المؤمنين لما أخبرته أن فلانا خطبها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أما فلان فلا يطرح عصاه من كتفه». والمقصود إما كثرة الضرب وإما طول السفر- لكن لا يوجد إنسان يضرب أربع وعشرون ساعة ولا يوجد إنسان يسافر أربع وعشرون ساعة وإنما المقصود غلبة الأمر والكثرة-، فاقتنع المشتري فأخذ الطائر وذهب. فالشافعي هنا لم يأتي بدليل من عقله لكن عقله مكنه من أن ينظر في كتاب الله أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه طالب العلم لأنه إن لم تكن لديه آله عقلية في النظر في كتاب الله لا يمكن أن يكون قادرا على أن يفقه أو يفهم أو يستنبط من كتاب الله شيئا كثيرا.
ثم قال سبحانه وتعالى: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} قلنا إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان إماما وإليه تنسب الملة وهو أعظم النبيين بعد نبينا عليه الصلاة والسلام. اليهود تقول إننا على ملة إبراهيم وقالوا لنبينا عليه الصلاة والسلام: إنك تعلم أن اليهود أولى بإبراهيم ولكن الحسد منعك أن تجهر بهذا، والنصارى تقول نفس العبارة، حتى عباد الأوثان وعباد النار يقولون إن إبراهيم منا.
وذلك لأن إبراهيم يشرف كل إنسان أن ينتسب إليه والمسلمون يقولون إبراهيم منا.
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة عندما نظر إلى الكعبة قبل أن يدخلها وجد كفار قريش على كفرهم وضعوا صورة لإبراهيم صنعوها من عقولهم وهو يستقسم بالأزلام، وهي الطريقة التي كانوا يفعلونها مع آلهتهم حتى يخرج أحدهم لسفر أو لغيره، فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام وقد جعلوا صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام قال عليه الصلاة والسلام: «قاتلهم الله والله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام» وفي رواية أنه قال عليه الصلاة والسلام: «ما لشيخنا وللاستقسام بالأزلام». المقصود أنه حتى عباد الأوثان نسبوا إبراهيم أنه منهم. فلما كانت المسألة خلاف نزل الحكم من الله والله عليم.
قال الله جل وعلا: {ما كان} وهذا نفي.
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا} كما تزعم اليهود ولا نصرانيا كما تزعم النصارى.
{ولكن كان حنيفا مسلما} كما يزعم محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه.
{وما كان من المشركين} كما يزعم عبدة الأوثان.
من الذي هو أولى بإبراهيم عليه الصلاة والسلام؟
ثم بين الله بعد أن بين منهج إبراهيم عليه الصلاة والسلام. بين من الذي هو أولى بإبراهيم قال سبحانه: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}. ذكر كم فئة؟ ثلاثة.
وهذا الظهور حسب الترتيب الزمني لأن الذين اتبعوا إبراهيم من قومه كان ظهورهم قبل النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم} حسب تسلسلهم الزماني {للذين اتبعوه} الذين ءامنوا به وقت نبوته ورسالته صلوات الله عليه.
{وهذا النبي} ذكره مفردا. قال العلماء: هذا تعظيم وتشريف لنبينا عليه الصلاة والسلام.
{وهذا النبي والذين آمنوا} من أي أمة؟ من أمة محمد عليه الصلاة والسلام على الصحيح من أقوال العلماء.
فأصبح إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتولاه ثلاثة:
المؤمنون الذين معه، ونبينا عليه الصلاة والسلام، والمؤمنون من هذه الأمة.
لكن النبي عليه الصلاة والسلام أفرد قلنا تعظيم له لأنه عليه الصلاة والسلام أولى بإبراهيم من جهتين:
الأولى: لأنه من ذريته.
والثانية: لأنه موافق له في ملته.
لم يبعث نبي بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذريته.
إبراهيم عليه الصلاة والسلام من إكرام الله له لم يبعث نبي بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذرية إبراهيم، قال تعالى في آية حصر: {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} [العنكبوت27]. فما بعث نبي ولا رسول بعده عليه الصلاة والسلام إلا وهو من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
{إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}. قال العلماء: دلت الآية أيضا على أن المؤمنين مهما تباينت أقطارهم المكانية وتفاوت ظهورهم الزماني فإنهم أولياء بعضهم لبعض لأنهم جميعا يفيئون إلى ملة واحدة، وهي ملة إبراهيم القائمة على توحيد الله تبارك وتعالى. واليوم أعداء المسلمين لا يحاولون شيئا أن يثيروه بين المسلمين أكثر من تفريق الكلمة وإيثار النعرات القائمة إما على عرق أو على مذهب أو على مكان أو على ظهور زماني حتى يتشتت شمل الأمة، فإذا تشتت شملها انشغل بعضها ببعض، وأرادت كل فئة منها أن تقيم لواءها، فاقتتلوا وكفوا غيرهم مهمة القتال فأصبح غيرهم قادرا على أن يحتلهم بيسر وسهولة. وفي مواضع الفتن العظمى كما هي في عصرنا هذا وفي الأحداث الأخيرة في العراق فإن جمع الكلمة وتوحيد الصف وغض الطرف عن كثير من الخلافات مقدم على أكثر الأمور، لأن الدين قائم على جلب المصالح ودرء المفاسد. ولكل مرحلة من مراحل عمر الأمة ما يتماشى مع أوامر ونواهي وتطبيقات وأحكام شرعية تختلف من حال إلى حال ومن زمان إلى زمان، والمعيار في ذلك كله مصلحة الأمة وعدم تمكين عدوها منها.